[gdwl]
من نافذة بيته المطلة على فضاء شاسع ،
تعود أن يسبح طليقا في بحور خياله ،
وأن يمتح رحيقا عبقا من ذكريات شبابه ،
وكلما عاد إلى نفسه شعر بالخجل بسبب هوايته ،
الهواية التي ظلت تميزه عن غيره وتحقق له متعة الزهو والتفرد ردحا من حياته .
إنها الفرية ...
يهواها ويلازمها، ويستأنس بها .
يفتري على نفسه ، ويجعلها تهيم في دوامة الأوهام ، وينسب لها ما حقق واستحق غيره .
ويفتري على جل من حوله بلا داعي ولا مناسبة .
لا يستطيع تحديد متى أصبح متمرسا محترفا لها .
كل الذي يذكره أنه برع فيها منذ سنوات العمر الأولى . سنوات التعلم والدراسة .
كان يتقن التلفيق والتبليغ ، ويرتاح كلما أنتج شجارا أو تنافرا أو عداء .
ويذكر أنه كان وراء العديد من التشنجات داخل الأسرة وبين الأصدقاء .
طفق مع الأيام يفتري وينسى أنه فعل ، فيفتري من جديد .
ما ثبت عنده أنه صدق الفعل أو القول إلا ناذرا .
ويذكر ، أنه كلما طالبه رئيسه المباشر بإنجاز مهام أو تنفيذ زيارات التتبع والمراقبة لبعض الفروع البعيدة عن مركز عمله ،
يكتفي بتدبيج التقارير وتضمينها ما يبرز أدواره الناجعة في توفير ظروف العمل الملائمة لكافة العاملين هناك .
يحدد الحاجيات ، ويعدد المحفزات ، ويستنتج النتائج ، معتمدا- فقط - على ما يتوصل به من أخبار وأسرار .
لا يبرح مكانه ولا يتجاوز عتبة بيته .
يغتنم الأيام المقررة لتنفيد المهام أو إنجاز الزيارات ، لقضاء العديد من مآربه الشخصية والخاصة .
يسر رئيسه دائما بمضامين تقاريره . ويذيلها بارتسامات جيدة ، ويرفعها بدوره إلى المسؤولين .
لازمه هذا العبث وعم كل خطواته وتصرفاته
متيقن ...
أن جل من حوله وخاصة العاملين تحت إمرته ، يدركون زيف ما يفعل ويقول ، ولا يقوى أحد على مواجهته ...
ومن يجرؤ على المغامرة بمكانة أو مكافأة ؟
أو التضحية بعطف أو حماية أو رعاية ؟
قبل أن يصبح أبا لطفله البكر كان غير مهتم ولا مبالي .
والآن أمسى ينصت وبإمعان إلى وغوغوات الصغير ،
ويتتبع بشوق خطو نموه ،
ويتطلع بشغف إلى كونه رجلا شهما مقداما سويا في الغد القريب .
تسري كل حركات رأسه وأطرافه - وهو يداعب النسيم - في عروق والده دما فائرا نقيا ،
وسيعود عبر قنوات رعايته له ، يلطخ طبعه ويعكر صفوه ويتحكم في مساره .
يلفيه حين يبكي، يستغيث ، ويستنجد، ويستنكر، ويتبرأ مما هو فيه .
و يستهجن ، ويستثقل ويتهيب ما هو مقبل عليه
يناديه من داخله... ومن أعماقه ... بصوت واضح ونطق فصيح .
لقد عشت طويلا لا تتفوه بصدق إلا إذا نسيت . إني أمقتك وأمجك ، وأتقي شرور لسانك بمجاملتك .
أطرق الأب قليلا وأجاب :
لن ألومك ولن أعاتبك .
إنك غض طري لا دراية ولا تجربة لك .
التعامل بالفرية والتزييف والنفاق في مجتمعنا غدا أصلا أصيلا محببا للناس .
التاجر في ذكانه يضلل زبناءه ليمرر أصناف سلعه .
والعامل الأجير يتملق ويفتري ليزداد دخله وترتفع رتبته
والأب والأم يزرعان بذور الكذب في حقول الأسرة بالقدوة والمثال ...
والمحامي ينسج فقرات دفاعه ويؤسسها على نكران الحقائق المهددة لبراءة موكله .
والسياسي ينثر حوله الوعود الكاذبة بسخاء رغبة في الفوز بمقعد وثير ، أو الحصول على امتياز مغري .
ولا أخفي عنك أني أقف على المفترق .
أشعر بالحاجة لمراجعة هوايتي ، وإعادة النظر في مدلولات وصيغ قيمي ، التي تشبعت بها مع الأيام ، وتعودت - خطأ - على اعتبار تزييف الحقائق أو إخفائها مهارة لا يتقنها إلا متمرس بارع .
وجم هاتف الصغير وتوارى ،
وأرسل بكاء مدويا في الآفاق .
تتبع من نافذته المطلة على جزء هام من المدينة نبرات الصوت المتعالي في عنان السماء .
فبقي ، فاغرا مشدوها محملقا ، يعد النجوم المتلألئة ويصنفها ،
ثم يعد المصابيح المتوهجة المشتعلة ، المصفوفة على جنبات الشوارع الفارغة ، الممدودة ، في تحد سافر لرؤية العين .
يفرك عينيه بكلتا يديه ، لعله يتبين ما ذا يجري حوله
[/gdwl]
lk kht`m fdji lkKkht`mKfdji hggi ufhvhj ;glhj